جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
124940 مشاهدة
من آداب الحاج تجنب الرفث والفسوق والجدال

فمن آداب الحاج: أن يجتنب الرفث والفسوق والجدال، سواء في إحرامه أو بعد تحلله؛ حيث إنه في مشاعر مفضلة.
(الرفث) فسر بأنه من محظورات الإحرام ما يتعلق بالنساء: كالنظر إلى النساء مثلًا ، أو تقبيل المرأة، أو لمس النساء بشهوة ، أو ما أشبه ذلك. وكذلك الكلام المتعلق بالعورات؛ الكلام الذي يتعلق بالوطء وبمقدماته وبصفته وما أشبه ذلك.
الحاج يحفظ لسانه عن أن يخوض في مثل هذا الكلام؛ فإن ذلك مما ينقص عمله، مما ينقص حجه؛ حيث إنه مأمور بأن يتكلم بالخير. فإما أن يتكلم بخير، وإما أن يسكت عن الشر.
ذكروا عن شريح القاضي أنه كان إذا أحرم يكون كالحية الصماء لا يكلم من سأله إلا بخير، إذا جلس مع رفقتهم، أو سار معهم فلا يتكلم إلا بذكر الله، أو بالتلبية، أو بالتكبير، أو بالدعاء، أو بالقراءة أو بالتعليم أو بالنصيحة.
فأما أن يخوض معهم في قيل وقال وما إلى ذلك؛ فإن الحاج ينزه نفسه عن مثل ذلك كله.
كذلك أيضا: الفسوق نهي الله تعالى عنه، ونهي عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرنا : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه .
الفسوق: هو الذنوب والمعاصي، سواء المعاصي باللسان، أو المعاصي بالآذان، أو المعاصي بالأعين أو بالأيدي أو بالأرجل، أو بالمشاكل أو ما أشبه ذلك، فيتجنب الحاج الفسوق، فكل ذنب حرمه الله فإن فعله يعتبر من الفسوق؛ فالفاسق هو الذي يكثر من الذنوب، وقد يصل به الأمر إلى اقتراف السيئة الكبيرة والصغيرة.
سمى الله تعالى التنابز بالألقاب فسوقا، قال تعالى: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فمن الفسوق السخرية: أن يسخر بإخوانه وأن يستهزئ بهم، ومن الفسوق ذكر الألقاب السيئة، أن يعير إخوته مثلا بأفعال أو بألقاب سيئة أو نحو ذلك، يعتبر هذا من الفسوق.
وكذلك كل المخالفات تعتبر من الفسوق.
الحاج يتجنب المعاصي صغيرها وكبيرها، فإذا نظر إلى عورة أو إلى امرأة بشهوة صرف بصره للأمر بذلك حتى لا يدخل في الفسوق، وإذا سمع أغنية أو لهوا لسد أذنيه، أو ابتعد عن أولئك الذين هذا فعلهم.
كما ذكر أن ابن عمر مرة سمع زمارة مع راع فسد أذنيه؛ حتى ابتعد عن ذلك. حتى لا يسمع صوت المزمار؛ لأنها من الملاهي ومن المحرمات.
وكذلك إذا جلس في مجلس وصار أهله يتكلمون بالسوء ويغتابون وينمون ويسخرون، ويتكلمون بما لا طائل تحته، أو بما فيه مضرة فإنه ينصحهم ويحذرهم؛ فإذا لم يتقبلوا أو عجز عنهم فإنه يبتعد عنهم، قال الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ الخوض في الآيات: هو الخوض بغير علم، والكلام بغير فائدة وما إلى ذلك، وهو من أسباب دخول النار.
كما حكى الله تعالى عن أهل النار أنهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ فإذا رأى الإنسان هؤلاء الذين يخوضون فعليه أن يبتعد عنهم؛ حتى لا يشركهم في عملهم.
كذلك أيضا من آداب الحج: البعد عن الجدال الذي نهي الله تعالى عنه، قال تعالى: وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ الجدال: هو المخاصمة بغير حق، الخصومات والمنازعات، ورفع الأصوات في غير نصرة الحق، لا شك أن هذا الجدال مما ينقص الحج، الإنسان إذا حج أخلص عمله لله تعالى، وصحح أقواله وأفعاله؛ وبذلك يكون حجه مبرورا.
كذلك أيضا من آداب الحج: الإكثار من الأعمال الصالحة في تلك المشاعر، فإذا كان محرما فإنه يشتغل بالتلبية التي هي شعار الإحرام، يكثر منها ولا يغفل، يكثر من قول: لبيك اللهم لبيك، ولا يغفل عنها؛ حتى يكون ممن استجاب لله تعالى واستجاب للرسول إذا دعاه لما يحييه، قال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .